الثلاثاء، 21 يوليو 2015

بطلان أثر ميراث الجدة

رسالة : بطلان حجية الآثار

فصل : بطلان أثر ميراث الجدة

كتب : محمد الأنور آل كيال

تستدل الفرق الضالة بأثر ميراث الجدة على حجية الآثار وخاصة الآثار المكملة .

وهذا يعني أن القرآن ناقص , والآثار تكمل نواقصه المزعومة عندهم , وهذا كفر بأن القرآن كاف كامل تام لم يفرط الله فيه .

والسؤال : هل ذكر الله تعالى الأنصبة والحقوق في القرآن بالتفصيل بينما نسي الجدة ؟

قال الله : " وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا " [مريم : 64]

وقال الله : " قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52) " ( طه ) .

وإليكم هذا الأثر المكذوب وتحقيقه :

أولاً : الأثر :

عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، قَالَ: جَاءَتِ الْجَدَّةُ أُمُّ الْأُمِّ وَأُمُّ الْأَبِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَتْ: إِنَّ ابْنَ ابْنِي أَوِ ابْنَ بِنْتِي مَاتَ، وَقَدْ أُخْبِرْتُ أَنّ لِي فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقًّا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَجِدُ لَكِ فِي الْكِتَابِ مِنْ حَقٍّ، وَمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى لَكِ بِشَيْءٍ وَسَأَسْأَلُ النَّاسَ، قَالَ: فَسَأَلَ النَّاسَ، فَشَهِدَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أَعْطَاهَا السُّدُسَ " قَالَ: وَمَنْ سَمِعَ ذَلِكَ مَعَكَ، قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: " فَأَعْطَاهَا السُّدُسَ "، ثُمَّ جَاءَتِ الْجَدَّةُ الْأُخْرَى الَّتِي تُخَالِفُهَا إِلَى عُمَرَ، قَالَ سُفْيَانُ: وَزَادَنِي فِيهِ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَلَمْ أَحْفَظْهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَلَكِنْ حَفِظْتُهُ مِنْ مَعْمَرٍ، أَنَّ عُمَرَ، قَالَ: إِنِ اجْتَمَعْتُمَا فَهُوَ لَكُمَا وَأَيَّتُكُمَا انْفَرَدَتْ بِهِ فَهُوَ لَهَا . ( جامع الترمذي واللفظ له , سنن أبي داود , السنن الكبرى للنسائي , سنن ابن ماجه , سنن الدارمي , سنن سعيد بن منصور , السنن الكبرى للبيهقي , موطأ مالك , مسند أحمد , صحيح ابن حبان , المستدرك على الصحيحين , مصنف ابن أبي شيبة , مصنف عبد الرزاق , وغيرهم ) .

ثانياً : الدرجة :

مكذوب , وبالرغم من أن الألباني إمام المتساهلين في التصحيح عندي إلا أنه ضعفه في ضعيف الترمذي وضعيف أبي داود وضعيف ابن ماجه وإرواء الغليل وتخريج مشكاة المصابيح .

ثالثاً : من علل السند :

1 ـ  سفيان بن عيينة , وهو مدلس مختلط , وقال فيه أحمد بن حنبل : ( أثبت الناس في عمرو بن دينار ، حافظ له غلط في حديث الكوفيين ، وغلط في حديث الحجازيين في أشياء ) .

 2 ـ ابن شهاب الزهري , وهو مشهور بالتدليس .

3 ـ عثمان بن إسحاق بن خرشة ( عثمان بن إسحاق القرشي ) , وهو مجهول .

قال الذهبي : لا يعرف .

وقال ابن عبد البر في الاستذكار : ( فيه عثمان بن إسحاق بن أبي خرشة ليس مشتهرا بالرواية للعلم ) .

ولقد بحثت عن عثمان هذا فوجدت أنه ليس له إلا شيخين , وهما : قبيصة بن ذؤيب بن حلحلة , وعبد المجيد بن أبي عبس .

وليس له إلا تلميذين , وهما : الزهري , ومحمد بن أبي فديك الديلي .

وليس له إلا روايتين , وهما : رواية عن قبيصة , ورواية عن عبد المجيد بن أبي عبس .

فروى الزهري عن عثمان بن إسحاق بن خرشة عن قبيصة أثر ميراث الجدة .

وروى محمد بن أبي فديك الديلي عن عثمان بن إسحاق بن خرشة عن عبد المجيد بن أبي عبس أثر "أحد جبل يحبنا ونحبه " .

وقال مصنفو تحرير تقريب التهذيب : ( وقد تفرد الزهري بالرواية عنه ) .

وهذا خطأ لأنه روى عنه اثنان فقط وهما : الزهري ومحمد بن أبي فديك الديلي .

والسؤال : هل هذا الرجل ثقة عندكم ؟ هل من الحكمة اختيار هذا الرجل لحفظ الوحي ؟ هل اختار الله وهو الحكيم هذا الرجل لحفظ وحيه إذا كان يريد حفظ الآثار حقاً ؟

4 ـ قبيصة بن ذؤيب الخزاعي , وهو ليس بصحابي ولم يدرك النبي أو أبا بكر ولا سمعه من المغيرة ولا محمد .

فلقد ولد قبيصة بن ذؤيب عام الفتح أي أنه كان طفلاً رضيعاً في عهد النبي , كما أنه لم يدرك أبا بكر، والسؤال : كيف شهد القصة ؟

هذا دليل على الكذب والتحريف .

قال العلائى فى «جامع التحصيل» ص(254): قبيصة بن ذؤيب ولد عام الفتح على الأصح، وقيل: أول سنة من الهجرة، وفى التهذيب أن روايته عن أبى بكر وعمر - رضى الله عنهما - مرسلة، والحديث ذكره الحافظ فى «التلخيص» (3/82)، وقال: وإسناده صحيح؛ لثقة رجاله، إلا أن صورته مرسل؛ فإن قبيصة لا يصح له سماع من الصديق، ولا يمكن شهوده للقصة. وقال ابن الملقن فى «خلاصة البدر المنير» (2/132): وقال ابن حزم فى محلاه: لا يصح ؛ لأنه منقطع لأن قبيصة لم يدرك أبا بكر، ولا سمعه من المغيرة ولا محمد، وتبعه عبد الحق وابن القطان.

وقال الشوكاني في الدراري المضية شرح الدرر البهية : ( قال ابن حجر: وإسناده صحيح لثقة رجاله إلا أن صورته مرسله فإن قبيصه لا يصح سماعة من الصديق ولا يمكن شهوده القصة قاله ابن عبد البر وقد اختلف في مولده والصحيح أنه ولد عام الفتح فيبعد شهوده القصة ) .


 وقال الشوكاني في نيل الأوطار : ( قبيصة ولد عام الفتح فيبعد شهوده القصة ) .

وقال جعفر : ( لا يصح سماعه لأنه ولد يوم الفتح ، وروى عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث مراسيل ) .

و قال ابن عبد البر فى  الاستيعاب  : ( ولد فى أول سنة من الهجرة ، و كان له فقه وعلم ) .

وقال ابن عبد البر في  التمهيد : ( مرسل ) .

5 ـ التفرد : فلقد تفرد بهذا الأثر الزهري المدلس عن عثمان بن إسحاق بن خرشة المجهول عن قبيصة بن ذؤيب الطفل الرضيع .

رابعاً : علة المتن : النكارة .

إن الإيمان بهذا الأثر يعني أن القرآن ناقص وهذا الأثر يكمله , وهذا كفر , فالقرآن كاف كامل تام لم يفرط الله فيه , ولقد ذكر الله تعالى كل الأنصبة والحقوق في القرآن وبينها تبييناً وفصلها تفصيلاً , والقرآن مبين ومفصل في نفسه , وتبيان وتفصيل لكل أمور الدين .

إن أصحاب الحقوق مثل الأب والأم يسقطون الجد والجدة , ولكن نفقة الجد والجدة واجبة على أولادهم وأحفادهم .

وكما هو معلوم فإن الأقارب غير الوارثين إذا حضروا القسمة يجب إعطاؤهم منها , فإذا حضرت الجدة القسمة فلها حق فيها .

قال تعالى : " وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا " [النساء : 8] .

وإن لم تحضر الجدة القسمة فليس لها شيء من الميراث , ولكن من المعلوم أن نفقتها واجبة على أبنائها وأحفادها .


خامساً : الخلاصة :

إن هذا الأثر معلول مكذوب , والفرق الضالة أقرت بذلك , ولكن تساهلها قد جعلها تنبذ كتاب ربها وراء ظهرها , وتتلقف العمل بوساوس شياطين الإنس والجن , ثم تجمع على تلك الوساوس وتجعلها من أصول الدين عندها والتي لا تقبل فيها اختلافاً أو اجتهاداً .

إن توريث الجدة السدس صار متفقاً عليه عند الفرق الضالة , وقد نقل الإجماع عليه : ابن تيمية في رفع الملام , حيث قال ( اتفقت الأمة على العمل بها ) .

ونقل الإجماع أيضاً ابن عبد البر في التمهيد ( 11 / 98 ) وذكر أنه حكي عن ابن عباس قول شاذ في الجدة أجمع أهل العلم على تركه .

كما نقل الإجماع السرخسي في المبسوط ( 7 / 564 ) , وابن قدامة في المغني ( 7 / 54 ) , وابن المنذر في الإجماع ( ص 34 ) , والشوكاني في نيل الأوطار ( 6 / 59 (.

والسؤال : أتتفقون على باطل ؟

أتجمعون على ضلالة ثم تزعمون حجية الإجماع ؟

ولكن ما لم تفطن إليه الفرق الضالة أن هذا الأثر حجة عليهم , فهم يستدلون ويعملون به , بالرغم من أن فيه دلالة ظاهرة على بطلان مذهبهم , فأبو بكر في هذا الأثر لا يقبل التفرد بأثر .

والسؤال : كيف تقبلون آلاف الآثار التي تفرد بها الرواة ؟

هل أنتم على صواب وأبو بكر على ضلال ؟

هل أنتم متوسطون معتدلون في التصحيح بينما كان أبو بكر متشدداً ؟

لو أخذت الفرق الضالة بهدي أبي بكر في هذا الأثر ـ على فرض صحته ـ لبطلت أغلب آثارها ,
 ولم يبق إلا القليل أو النادر والذي سيبطل أيضاً لجهل الرواة أو تدليسهم أو غفلتهم أو نسيانهم أو نكارتهم أو كذبهم أو نكارة المتن أو اضطرابه إلى غير تلك العلل .

ــــــــــــــــــــــــــ


الحمد لله رب العالمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق